تعتبر الهندسة المدنية من أقدم العلوم الهندسية وأكثرها خدمة للإنسان واهتماماً به. وإن جاز التعبير، يمكننا اعتبار الهندسة المدنية أم التخصصات الهندسية. وما أدل على المسمى وأكثرها دعماً له من تسمية المهندس المدني في بعض الدول بـالمهندس الشامل، بل قديماً كانت العلوم الهندسية تنقسم إلى قسمين فقط مدني وعسكري. والمتخصص في هذا الفرع من فروع الهندسة يجد أكثر من تبرير لذلك المسمى، ويرى أن فيه إنصافاً للمتخصصين فيه، حيث يتلقى طالب الهندسة المدنية أثناء فترة تحصيله العلمي العديد من العلوم الهندسية والمعارف التي تجعله على اطلاع ومعرفة وإلمام بمختلف التخصصات الهندسية (أو أساسياتها على الأقل)، وبعد إنهاء مرحلة التحصيل العلمي والانخراط في سلك العمل الوظيفي تأتي طبيعة العمل لتفرض من جديد على المهندس المدني ضرورة الإلمام بمعارف وعلوم مختلفة لإنجاز ما يوكل إليه من أعمال خصوصاً وأن مهام إدارة المشاريع الهندسية توكل في الغالب لمهندسين مدنيين متخصصين في هندسة التشييد وإدارة المشاريع.
وإذا أردنا أن نضع تعريفاً مبسطاً للغاية للهندسة المدنية، فيمكن القول إن الهندسة المدنية هي هندسة كل ما له علاقة وارتباط بالمدينة ومدنية الإنسان الذي يقطنها. ومن نظرة أخرى وتأكيداً على ربط هذا التخصص (بالمدنية)، يمكن تعريفها أيضاً تعريفاً مختصراً بأنها هندسة الأعمال المدنية في حياة الإنسان. وبصورة أكثر تفصيلاً، يمكن تعريف الهندسة المدنية بأنها أحد الفروع الأساسية للعلوم الهندسية والذي يهتم بكل ما له علاقة بالمدينة وقاطنيها والأعمال المدنية فيها من أعمال إنشاءات وطرق وشبكات مياه وصرف صحي...الخ، حيث ترتبط الهندسة المدنية بكافة مراحل تلك الأعمال ابتداءً بأعمال التخطيط والدراسات، مروراً بأعمال التنفيذ (التشييد)، انتهاء بأعمال الصيانة والتشغيل.
ومن الظواهر المنصفة لتخصص الهندسة المدنية والمنتسبين إليه وحاملي الدرجات العلمية فيه هو إسناد المهام القيادية والإدارية العليا في كثير من الأحيان لمهندسين مدنيين، وهذا الأمر ليس مقتصراً على المملكة فحسب بل يكاد يكون على مستوى العالم، وذلك إيماناً بأهمية الهندسة المدنية كتخصص وعلم أساسي ضمن العلوم الهندسية المختلفة، ويقيناً كذلك بالمهندس المدني وما هو مؤهل له نتيجة لما اكتسب من علم ومعرفة.
أ. د. محمد حسن صدقة علوي
رئيس قسم الهندسة المدنية