تبنى معهد البحوث والدراسات الاستشارية إنشاء واحة أم القرى للاستشارات لتكون الذراع المعرفي والتقني للجامعة الهادف لبناء اقتصاد معرفي وتنمية مستدامة. ومع رؤية المملكة 2030، اعتمد المعهد رؤيته الجديدة بأن يكون مؤسسة ريادية تعنى بإنتاج ونقل وتوطين المعارف والتقنيات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للمملكة في بناء مجتمع واقتصاد معرفي متطور، وقادر على الاضطلاع بمهماته والمنافسة العالمية.
ولله الحمد، فقد قطعت جامعتنا شوطاً كبيراً في مسار التحول الريادي، وأصبحنا في مقدمة جامعات المملكة في تبني نموذج الجامعات الريادية، وطموحنا أن تصبح جامعتنا من أفضل مئتي جامعة على المستوى العالمي بحلول عام 1452 هجري 2030 ميلادي، وهذا أحد الأهداف الاستراتيجية في رؤية المملكة 2030.
لقد عمل المعهد بجد أكبر منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، ففي خلال هذه الفترة دشن المعهد مرحلة جديدة من العمل، وقام بالتخطيط والإعداد لإنشاء مجموعة من المراكز والوحدات المتخصصة، لتشكل مرجعية وطنية ذات سمعة عالمية في مجال إنتاج ونقل وتوطين المعرفة والتقنية، وتقديم الدراسات والخدمات الاستشارية، والتدريب المهني للقطاع العام والخاص والمجتمع.
إن إنشاء واحة أم القرى للاستشارات، والتي ستضم في مرحلتها الأولى مركزين وخمس وحدات، يأتي تتويجاً لعمل استمر سنتين، تم الإعداد فيهما لتكوين وتطوير الواحة، والتي ستمثل -بعون الله- الحاضنة والذراع التقني والمعرفي لجامعة أم القرى لتأخذ دورها الفاعل في تطوير مجتمع واقتصاد معرفي وتنمية مستدامة.
أحد الأركان الأساسية لواحة أم القرى للاستشارات هو مركز السلامة وإدارة المخاطر والأزمات (سيف)، والذي ابتدأ كمبادرة أقرتها وزارة التعليم من ضمن مبادرات التحول الوطني 2020 الفائزة، وخصص لها من الموارد البشرية والمادية الحصة الأعلى بين المبادرات التسعة التي فازت وتميزت بها جامعتنا بين جامعات المملكة. يؤدي مركز سيف رسالته من خلال توفير الخبرات المتخصصة بتقديم الاستشارات والتدريب في مجال أنظمة السلامة في المشاريع الصناعية والإنشائية والمشاريع العامة، وكذلك في مجال الأمن الصناعي والتخطيط والتعامل مع المخاطر والكوارث والأزمات.
كما يكتسب هذا المركز أهميته في ظل وجود أكثر من عشرة مشاريع تنموية عملاقة في المنطقة، مع ندرة وجود تخصص هندسة السلامة في الجامعات السعودية وقلة الكوادر في هذا المجال، يضاف إلى ذلك زيادة حوادث السلامة في السنوات الأخيرة. ويتم اتباع منهجية ريادية جديدة في تنفيذ المركز وبنيته التحتية التقنية مبنية على الأسس العلمية، وباستخدام تقنيات متقدمة مع توفير الأجهزة والمستلزمات الفنية والتقنية لضمان استمرار تنفيذ الخدمات. كما يتم استخدام هذه المنهجية أيضًا لبناء نموذج متطور وفق المعايير الدولية في التخطيط ورسم سياسات الأمن والسلامة المهنية، وكذلك في إعداد وتقديم البرامج والدورات التدريبية المتخصصة.
وقد حقق المركز تقدمًا كبيرًا خلال فترة وجيزة، فقد قام المركز بتطوير عدد من الدورات والبرامج التدريبية المعتمدة دوليًا، بالإضافة إلى دبلومين تنفيذيين سيتم تقديمهما هذا العام، أحدهما في تخصص الصحة والسلامة في مجال الإنشاءات، والدبلوم الثاني في السلامة المهنية وإدارة المخاطر، حيث تم تطويرهما واعتمادهما بالتعاون مع المعهد الدولي لإدارة المخاطر والسلامة (IIRSM) ببريطانيا.
الركن الثاني لواحة أم القرى للاستشارات هو (وحدة التدريب والتعليم الطبي المستمر)، وهي الأخرى مبادرة أقرتها وزارة التعليم من ضمن مبادرات التحول الوطني 2020 الفائزة، وخصصت لها كذلك الموارد البشرية والمادية الكافية لانطلاقتها بنجاح. وتهدف الوحدة إلى تطوير مهارات الممارسين الصحيين بما يتواكب مع التطور السريع في قطاع الخدمات الصحية في المملكة، من خلال التعاون مع الكليات والأقسام العلمية في جامعة أم القرى، حيث تمتلك الجامعة تسع كليات وعشرات الأقسام المتخصصة في مجال الطب والصحة.
تؤدي الوحدة رسالتها من خلال المساهمة في تطوير أربعة نطاقات تشمل: خدمات التدريب، والتعليم الطبي المستمر،و الاستشارات، وخدمات الاعتماد المهني في القطاع الصحي .ويتم التركيز على تطوير المناهج التعليمية والتدريبية وأساليب التعليم والتدريب لتحقيق أهداف ثلاثة تغطي تلبية متطلبات قطاع الخدمات الصحية في المملكة ومنطقة الخليج العربي، والمساهمة في تحقيق المهمة الثالثة لجامعة أم القرى، وتعزيز الاقتصاد المعرفي للمملكة العربية السعودية.
تكتسب هذه الوحدة أهميتها في معالجة ضعف مواءمة مخرجات التعليم والتدريب مع احتياجات سوق العمل، حيث لا تزال البرامج والدورات الطبية والصحية المقدمة تعاني من ضعف شديد من ناحية العدد والجودة والتأثير. يضاف إلى ذلك سعي الجامعات السعودية لمراجعة مناهجها التعليمية، وتقديم مناهج وبرامج تعليمية وتدريبية دراسية متطورة، وكذلك قياس المخرجات التعليمية وربطها بكفاءة الكوادر في المهن الطبية والصحية.
الركن الثالث لواحة أم القرى: مركز (فاران للتأهيل والاستشفاء)، وهو عبارة عن مبادرة تقوم على إنشاء وتشغيل مركز للتأهيل والاستشفاء يكون اللبنة الأولى في مشروع طموح لبناء وتطوير مدينة متكاملة للتأهيل الطبي، وخاصة لذوي الإعاقات الحركية بخصائص إسلامية على أرض مكة المكرمة المباركة بجوار بيت الله الحرام كمبادرة استثمارية عالمية، وبمفهوم جديد مبتكر يستفيد من المكانة العظيمة لمكة المكرمة في قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وما لها من أثر بالغ الإيجابية على الحالة النفسية والروحية للمرضى وذويهم، والتي ستساعدهم وترفع من معنوياتهم لاجتياز البرنامج العلاجي التأهيلي بنجاح وقوة.
(وحدة التطوير والتدريب الهندسي): هي الركن الرابع لواحة أم القرى للاستشارات؛ والتي تصب في صميم رؤية المملكة 2030 ؛ حيث وضعت الرؤية من أهدافها ومقاييس نجاحها تصنيف ثلاث مدن سعودية بين أفضل مئة مدينة في العالم، وهنا تتجلى أهمية هذه الوحدة في تدريب وتطوير كوادر هندسية فعّالة تعمل بأسلوب مبتكر، وتكون قادرة على تطوير مدننا والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة وجودتها. والهدف الأساسي هو الاستفادة المثلى من كوادرنا الهندسية في كل المجالات لبناء الوطن.
تعتبر أنظمة المعلومات والاتصالات العمود الأساس في تطوير الاقتصاد المعرفي لكل الاقتصادات المتقدمة، لذا تحتضن واحة أم القرى للاستشارات في مرحلتها الأولى وحدتين في هذا المجال: الأولى: وحدة نظم المعلومات الجغرافية، والثانية: وحدة الحاسب الآلي ونظم وأمن المعلومات. وستسهم هاتان الوحدتان بلا شك في تدريب وتطوير كوادر مؤهلة وفعّالة تعمل بأسلوب مبتكر وتكون قادرة على تطوير منظومات الاتصالات وتقنيات المعلومات والارتقاء بمستوى البنية التحتية الرقمية للمملكة والخدمات المقدمة وجودتها، حيث تعتبر هذه البنية ممكنا أساسياً لبناء أنشطة صناعية متطورة، ولجذب المستثمرين، ولتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني.
أما الوحدة الخامسة فهي: (وحدة التطوير المهني المستمر للمعلم والقيادات التعليمية)، حيث يعتمد تقدم أي بلد على مدى تطور منظومتين رئيسيتين: الصحة والتعليم. والمملكة تواجه تحديات كبيرة في المضي قدماً في تحسين قدرتها التنافسية العالمية، لعل أهمها التحدي في تحسين قطاع التعليم الأساسي والتدريب للوصول إلى المعايير الدولية. وهنا تتجلى أهمية هذه الوحدة في تدريب وتطوير كوادر تعليمية تكون قادرة على الارتقاء بمستوى المنظومة التعليمية والارتقاء بخدمات التعليم وتحسين جودتها.
إن نشأة جامعة أم القرى في بلد الله الحرام يضفي عليها طابعاً مميزاً كمؤسسة علمية وثقافية تهتم بالإسلام، وترسيخ التصورات الإسلامية في مختلف مجالات العلوم والفنون واحتياجات التنمية المستدامة والشاملة للبلاد عن طريق المساهمة الفاعلة في تنمية القوى البشرية وبناء الاقتصاد المعرفي للمملكة. وخلال السنوات الماضية حققت جامعة أم القرى وبحمد الله إنجازات كبيرة .وإن اكتمال مشروع واحة أم القرى سيكون مكملاً لهذه الإنجازات، وهذا بفضل مشاركة الجميع، ودعم وإسناد معالي مدير الجامعة، ودعم ومباركة سمو أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين.
وإننا عازمون ونطمح للمزيد من التخطيط والعمل في خدمة بلدنا ورفعته وتقدمه.