مكة المكرمة هي البلد الذي حرّمه الله.. ورغم عصرنة البناء فيها فإن وقوف الكعبة (بيت الله) شامخة يشي بوحدة الزمان ومركزية المكان. أنظرُ إلى الكعبة متأملا فيذوب فكري في أعماق الزمان منذ أن نزل الملائكة المكرمون ليبنوها. وتنداح روحي مع الزمان في هيبة وجلال إلى وقتنا الراهن.
مكة المكرمة تخضع للتغيُر في أعداد السُكان. يوميا يفِد إليها من الداخل والخارج معتمرون لقضاء يوم أو بعض يوم، بل أيام وأسابيع ناهيك عن موسم الحج. وهذا يُظهِر للقارئ مدى صعوبة التنبؤ بتوفير الخدمات (ماء، خبز، كِساء، دواء، وغير ذلك) ولكن (الوفرة) في كلِ شيء هي السائدة.
زمزم البئر من مكونات الحرم الشريف حيث لا تبعد عن الكعبة أكثر من عشرين مترا، وهي أشهر بئر في التاريخ، وتصور معي قارئي العزيز أن أكثر من مليون (على أقل تقدير) يشربون منها عدة مرات في اليوم الواحد طيلة أيام الحج وهي دارة طوال أيام السنة، لا تنزف أبدا إلا ما شاء الله. هذه البئر الطيبة يُروى أن ماءها المبارك «يثور من ثلاث أعين أقواها وأكثرها ماء عين من ناحية الحجر الأسود». كانت في مبنى عليه قبة قريبا من الكعبة المشرفة وعلى فوهة البئر سياج من الحديد. (الزمزمي) ينزف الماء المبارك بدلو للواقفين فيشرب كل منهم حتى يرتوي، ويملأ الجرار المصنوعة من الفخار للذين يحملون الماء إلى ساحات وباحات الحرم الشريف، أو إلى البيوت المنتشرة في حارات وأحياء مكة.
وفي عام 1382 أمر الملك سعود بن عبدالعزيز- رحمه الله- بتوسيع المطاف تسهيلا على الطائفين المتزايد عددهم فخُفِضت فوهة البئر إلى قبو وينزل الناس إليه بدرج حيث تم تشييد قسم للرجال وآخر للنساء.. وبهذا لم يعد للدلاء (جمع دلو) وجود. أما اليوم فإن الماء المبارك يُضخُ إلى أرجاء الحرم والمسعى ليشرب كل راغب وهو في مكانه. ولهذا الغرض قامت إدارة خاصة بالسقيا ضمن جهاز رئاسة الحرمين الشريفين، وعمليات التنظيف والتعبئة تتم آليا وبطريقة علمية فيما يشبه المصنع الضخم.
في مكة تقوم جامعة أم القرى تجمع بين الثوابت والتطوُر المعاصر، وبها معهد أبحاث الحج الذي يقدِم الدراسات التاريخية، ويسبر آفاق المستقبل للحرم الشريف وللبلد الحرام.
هذه مكة، وهذه بعض علائم روحها.. فلي وللجميع دعائي بأن يعمُر الله نفوسنا بروح مكة. للمزيد