تمثل الزيادة المستهدفة في أعداد ضيوف الرحمن ضمن برنامج الرؤية المباركة للمملكة 2030، والتي سوف تتيح الفرصة لأكبر عدد من المسلمين لأداء مناسك الحج والعمرة، وما يشمل ذلك من تحقيق لأهداف التيسير والتسهيل على ضيوف الرحمن ورفع لجودة الخدمات المقدمة، وهنا تكمن أهمية تفعيل دور منظومة المدن الذكية لكلٍّ من مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة بصفة خاصة، ولكافة مدن الحج والعمرة والزيارة بصفة عامة.
وما إن تذكر المدن الذكية إلا ويتبادر إلى الأفهام في الغالب التقنيات الحديثة واستخداماتها العامة دون الخوض في تفاصيل تطبيقات هذه التقنيات ومعايير ومحددات تفعيلها وفق منظومة متكاملة متجانسة، حيث يمثل التركيز على الأداة التقنية وتفعيلها أكثر الممارسات الحالية للمدن الذكية بدون تناول لمفهوم التطوير في مجال الخدمات والعمليات المرتبطة بالحياة الحضرية والمجتمع المدني، ضمن أحدث وأفضل الممارسات المترابطة والمخطط لها بشكل متكامل ومنتظم، فتعريف منظومة المدن الذكية هي تلك المنطقة الحضرية المتقدمة التي تخلق تنمية اقتصادية مستدامة ونوعية حياة عالية الجودة من حيث التميز في مجالات ومحاور رئيسية.
وتمثل منظومة المدن الذكية لمكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة توجهاً حضرياً جاداً يعتمد بشكل رئيسي على الاهتمام بخصوصية المكان والزمان والأنشطة والأعمال التي يقوم بها قاصدو الأماكن المقدسة، وترتكز المنظومة بشكل رئيسي على التفعيل الأمثل لتقنيات المعلومات والاتصالات الحديثة مثل قواعد البيانات التفاعلية، وجمع البيانات باستخدام إنترنت الأشياء وغيرها، وتخزينها كبيانات كبيرة، وتحليلها ودراستها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة واستخراج المعلومات منها واتخاذ القرارات، وتعتمد المنظومة كذلك على ثمانية محاور رئيسية وهي محور الإنسان، حيث يمثل الركيزة الأساسية للمنظومة وما يتعلق به من تعليم وصحة وخدمات يحتاجها، ثم منظومة البيئة وتعنى بالمحافظة على الأماكن المقدسة كما خلقها الله تعالى، وتوفير الغطاء الأخضر والمحافظة على الطبيعة، وتفعيل دور تدوير النفايات والتخلص منها بشكل صحيح، ومن ثم يأتي محور الاقتصاد؛ ويعتني بالشؤون الاقتصادية والتفعيل الأمثل للفرص الاستثمارية وغيرها، كذلك تشمل المنظومة محور رفع معايير جودة الحياة من خلال الخدمات والتطبيقات، وذلك بربطها بمعايير دولية متخصصة في قياس وتقييم المدن الذكية، بالإضافة إلى محور العمران ومفهوم المباني الذكية في الأراضي المطهرة، ومحور النقل الذكي لضيوف الرحمن، ويمثل محور الحوكمة أهم المحاور، حيث يستهدف تفعيل القرارات والأعمال اللازمة في مجال خدمة ضيوف الرحمن، وذلك لتفعيل الإجراءات والأعمال بما يتناسب مع المنظومة، وأخيرًا محور الاستدامة الذي يستهدف الاستغلال الأمثل للموارد التي تتوافر في هذه المدن مثل الطاقة الشمسية والديناميكية (الزمانية والمكانية) التي تتمتع بها المدينتان المقدستان.
والعنصر الأساسي في ذلك كله هو توافر وتداول المعلومات والبيانات بالشكل الأمثل وفي المكان الصحيح وفي الوقت الصحيح، ومعالجتها حتى تنتفع بها كافة الجهات المعنية في مجال خدمة ضيوف الرحمن وبالشكل المناسب الذي يحقق معايير المدن الذكية المحلية والعالمية، ولتحقيق هذا الهدف تحتاج كافة الجهات المعنية إلى تبني نموذج خاص ومتكامل لمنظومة المدن الذكية تعتمد على معايير محددة ترتقي للتصنيفات العالمية، ويشمل ذلك التخطيط الاستراتيجي المتكامل للمنظومة معتمدة على دراسة الوضع الحالي، ومن ثم وضع تصور للوصول إلى الهدف المستقبلي.
الجدير بالذكر أن تطبيق مفهوم المدن الذكية قد بدأ بالفعل، ولكن بشكل بسيط ومتفرق يكاد يكون بلا نموذج واضح ومحدد، وهو ما يضعف هذا التطبيق ويجعله محدود الجدوى والأثر، وعلى أرض الواقع تحتاج المنظومة إلى وجود جهة اعتبارية للأبحاث والتطوير والابتكار R&D مخصصة للمدن الذكية والتقنيات المتقدمة بما يتناسب مع طبيعة الأراضي المطهرة وقاصديها من ضيوف الرحمن.