تجار الشنطة الذين يتنقلون بين عمائر إسكان الحجاج والمعتمرين، وسماسرة المفاوضات الذين يمثلون بعثات الحج، هم سبب النزيف في اقتصادات الحج والعمرة.
انتهى موسم الحج بنجاح ينسب كما قال الأمير خالد الفيصل لكل المواطنين السعوديين الذين أثبتوا حقيقة أن الرد على المرجفين يكون بالأفعال لا بالأقوال، وفي غمرة الفرح وموجة الثناء الذي تتلقاه المملكة من كل البلدان الإسلامية نظير الخدمات التي قدمت للحجاج من مواطني بلدانهم لفت نظري ملف "معقد وكثير التقاطعات" سلط الضوء عليه معالي وزير الحج والعمرة الدكتور محمد بن صالح بنتن قبل موسم الحج بنحو شهر تقريباً.
الوزير قال في محاضرة له ضمن فعاليات سوق عكاظ في الطائف أنه سيقلب المعادلة، وسيحول المواطن السعودي من متلق للعمولات من سماسرة الحج إلى دافع لها، ليعود اقتصاد الحج والعمرة المنهوب إلى أحضان الوطن، وهي بلا شك مهمة ثقيلة، جسيمة، وحساسة أيضاً لأن فيها الكثير من التقاطعات التي تتطلب مشرط جراح ماهر.
كأحد أبناء مكة المكرمة، أعرف بعض حقائق النهب الذي يتعرض له اقتصاد ضخم وهائل من قبل سماسرة الحج والعمرة، ومن ضعاف النفوس الذين وفروا لهم الغطاء والتسهيل، فالفنادق والعمائر السكنية عائدها السنوي في مكة المكرمة لا يتجاوز 4% بفعل المضاربات والدفع من تحت الطاولة لبعثات الحج، وأجرة السرير الواحد لا تزيد عن 30 ريالاً في اليوم، حيث يتم تجميع 5 حجاج في غرفة واحدة، كما أن خدمات الإعاشة، والنقل، والتوجيه والإرشاد، والاقتصاد المباشر وغير المباشر يتم التحكم فيه مع شديد الأسف من قبل وافدين وسماسرة أجانب.
كان لإمارة منطقة مكة المكرمة في السنوات الماضية دور في الحد من سماسرة الحج، وبذل أميرها الهمام وحاكمها الإداري الحازم الكثير من الجهد في التصدي لهذه المشكلة إلا أن هذه الجهود كانت محدودة وكان أثرها وقتيا، فالأمر من وجهة نظري يحتاج إلى أنظمة أكثر صرامة، وإلى تقنيات تراقب وتقيم وتكشف وتقترح الحساب والعقاب، وأحسب أن معالي وزير الحج والعمرة الذي يتكئ على تاريخ حافل بالنجاحات لديه قدرة فائقة على سن هذه الأنظمة الإدارية والتقنية، ليكون الملعب مكشوفاً وشفافاً أيضاً.
مؤلم حقاً أن ينتهي بك الأمر في وطنك وأنت صاحب الاستثمار إلى متلق للعمولات البسيطة من سماسرة الحج بينما هم يتقاسمون المبالغ الكبيرة، مؤلم حقاً أن تتكتل بعثات الحج والشركات الأجنبية عليك فتدفعك مرغماً إلى تلقي عمولات بسيطة على خدمات جليلة .. واستثمارات ضخمة .. ومسؤوليات جسيمة وأنت مكبل اليدين والقدمين، وليس أمامك إلا الركوع لما يريدون أو أن يبقى فندقك وعمارتك السكنية وحافلاتك ومطاعمك مغلقة دون استئجار.
تجار الشنطة الذين يتنقلون بين عمائر إسكان الحجاج والمعتمرين، وسماسرة المفاوضات الذين يمثلون بعثات الحج ويتواجدون في المملكة قبل موسم الحج بـ 6 أشهر، هم سبب النزيف في اقتصادات الحج والعمرة، ولا فكاك من هذه المشكلة إلا بحلول حازمة وتشريعات تعرف مكان الوجع وحجم انتشاره، وتقترح العلاج الذي يضمن عدم عودته، ووزير الحج والعمرة، وهو أحد الذين عركتهم أعمال الحج والعمرة منذ صغره، يمتلك رؤية واضحة ودقيقة، وقد أعلن ذلك وتعهد بأن يتحول السعودي إلى دافع للعمولات بدلاً من متلق لها.. نسأل الله له العون والتمكين. للمزيد