كنتُ خلال أيامِ الحجِّ في زيارةٍ للندنَ للاطمئنان على أولادي الذين يدرسون هناك، ولإجراء بعض الفحوصاتِ الطبيَّة الضروريَّة لبعض أقاربي، وشهدتُ مع الجاليةِ المسلمةِ صلاةَ العيدِ في مسجد ريجنت بارك، كما صليتُ معهم عددًا من الفروضِ.
ولقد سرَّني جدًّا ما سمعتُهُ من إخواني المسلمين هناك من حبٍّ وتقديرٍ ودعاءٍ للمملكة العربيَّة السعوديَّة وقيادتها لما تبذله هذه البلاد الغالية -أيَّدها الله- من جهودٍ هائلةٍ خدمةً لحجَّاج بيت الله الحرام، تجيءُ هذه الشهاداتُ الصادقةُ في الوقتِ الذي نسمع فيه كثيرًا من الحاقدين والمغرضين والأفَّاكين يقولون كلامًا جارحًا في حق بلاد الحرمين، ويتَّهمونها بالتقصيرِ في القيام بواجبِ ضيوف الرحمن.
قال لي أحدهم: أنا أكررُ الحجَّ كل بضع سنواتٍ، وفي كل مرةٍ آتي أجدُ جديدًا، وأرى وألمسُ من المشروعات الجبَّارة والجهود التي تفوق الوصف ما يجعل معالم المكان تختلفُ عليَّ حتَّى أظنّ أنَّني آتي هنا لأوَّل مرَّة!
وقال لي آخرُ: كنَّا نقرأ في كتب التاريخ والسير عن خدمة قريش لضيوف البيت العتيق قبل الإسلام، ونتعجَّبُ من قيامهم بإطعام الحجيج، وسقايتهم، وبذلهم من أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم كلَّ ما يمكنُ لينالَ الحجَّاجُ كفايتهم وراحتهم، فلمَّا كتب الله لنا الحجَّ رأينا بأعيننا ما تبذله الدولة السعوديَّة والشعبُ السعوديُّ من أنواعِ الخدماتِ والتيسيراتِ، حتَّى أنَّ الحاجَّ لا يكادُ يفقدُ شيئًا من ضروراته، ولو لم يكن معه مال! فعرفنا أنَّه قدرُ الله في حفظِ هذا البيت، يسخر له في كل عصرٍ من يقوم بشأنه.
وقال ثالث: لقد استقر في ذهني أنَّ خدمة هذا البيت هبة ومنحة ربانيَّة يهبها الله مَن يشاء من خيرة خلقه، ذلك أن البيت بيته، ولا يمنح سبحانه خدمةَ بيته إلاَّ من يستحقها، وذلك من تمام حمايته سبحانه لبيته العتيق، وقد أدرك هذا المعنى عبدالمطلب لما قال لأبرهة: جئتُ أطلبُ إبلي، أمَّا البيتُ فله ربٌّ يحميه.
إنّ هذه الكلمات التي سمعتُها من إخواني المسلمين في بريطانيا -على اختلاف أجناسهم وأصولهم- هي مجرَّدُ نموذجٍ لما يحمله المسلمون في كافة بقاع الأرض من حبٍّ وتقديرٍ لبلادِ الحرمين المملكة العربيَّة السعوديَّة؛ بسبب ريادتها الدينيَّة من جهةٍ، وقيامها بواجبِ الحرمين وزوَّارهما على أكمل وجهٍ من جهةٍ أخرى.
لقد باتتْ جهود المملكة في خدمة ضيوف الرحمنِ من الوضوح والجلاء، بحيثُ يغدو الحديث عنها من باب توضيح الواضحات، وشرحِ البيِّناتِ، فروائع العمران، وإحكام التخطيط، وتوفير الخدماتِ من ماء وكهرباء وغيرهما، وتهيئة المشاعر، واستنفار الطاقات والكفاءات، وفتح أبواب المستشفياتِ، كل ذلك وأضعافُهُ، وأضعافُ أضعافِهِ يراه الناس عيانًا، ويرون مع ذلك قادةَ البلدِ وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين يسهرون بأنفسهم لمتابعةِ كل صغيرةٍ وكبيرةٍ؛ خشيةَ أن يقع تقصير في حقِّ هؤلاء الملبِّينَ لله وحده لا شريك له، ثمَّ هم مع كل ذلك يتواضعون ولا يتفاخرون، ويؤدون واجبهم ولا يمنُّون، ولا تسمع منهم إلاَّ حمد الله وشكره لأنَّه وفقهم لخدمة ضيوفه.
ولابدَّ أن أشير ختامًا إلى النجاح الفريدِ الذي تحقَّقَ بفضل الله لموسم حجِّ عام 1437هـ، فقد كان بحمد الله متميّزًا في تنظيمه، وترتيبه، وتفويجه، وخدماتِهِ، وما أعلمُ أحدًا حجَّ هذا العام إلاَّ وهو يشكر ويُثني. للمزيد