يمكن القول ان النقل العام في مكة المكرمة من الناحية التاريخية قد حظي مقارنة بالقطاعات الخدمية الأخرى التي توفر للحجاج والمعتمرين والزوار، بعناية مبكرة جداً حيث تم تأسيس أول جهاز يعنى بهذا القطاع منذ ما يزيد على الخمسة وستين عاماً، وهي النقابة العامة للسيارات، المؤسسة التي أنيط بها في سنة 1372هـ مهام ترتيب وتنظيم نقل الحجاج والاشراف على الشركات الناقلة التي تمنحها النقابة عضويتها، الا أنه على الرغم من مرور تلك العقود والرصيد الهائل المتوقع من الخبرات، نجد أن قطاع النقل العام في العاصمة المقدسة شبه مفقود، وإن وجد فإنه يمثل جانباً معتماً في مستوى الخدمات التي تقدم لضيوف الرحمن.
إننا حين نستعرض مشروعات النقل العام في مدن المملكة ذات الكثافة السكانية العالية نجد أنها جميعاً لا يمكن أن تحقق عائداً تشغيلياً على نحو ما هو الحال في معظم مدن العالم باستثناء حواضر محدودة التي ربما ضمت في اعتقادي إلى قائمتها مشروع النقل العام في مكة المكرمة، حيث إن الدراسات قد رصدت الطلب في هذه المدينة إلى نحو (50) الف راكب بالساعة في الاتجاه الواحد ببعض المواسم مثل موسم العمرة في رمضان الذي نعيشه هذه الأيام، لا سيما وأن النقل العام بمختلف وسائله هو البديل شبه الوحيد امام ما يزيد على عشرة ملايين حاج ومعتمر وزائر يتردد معظمهم على البيت الحرام أكثر من خمس مرات على مدار العام وسيزيدون على مدى الخمسة عشر عاماً القادمة وفق رؤية المملكة 2030 إلى ثلاثين مليوناً.
وبالاستناد إلى توصية اشتملت عليها دراسة تمت عن إدارة الحشود، لن تكون المسافة الفاصلة بين المسجد الحرام وأقرب محطة للقطار ضمن أي مشروع مستقبلي للنقل العام في مكة المكرمة بأقل مما يتراوح ما بين (500 – 600) متر، يعزز من ذلك ان اعمال الحفر لأي شبكة قطارات في المنطقة المركزية ستكون محكومة بمنسوب مياه زمزم حيث يصعب حفر انفاق عميقة حتى لا يؤثر ذلك على هذا المصدر وضرورة احترام الطبقة الجوفية الحاملة لمجرى مياه زمزم، مما يعني أن دائرة يزيد نصف قطرها على النصف كيلومتر على الأقل تحيط بالمسجد الحرام لن تخدم سوى بشبكة حافلات سواء كانت سريعة ام محلية.
إن هناك تنامي واضحا في الطلب مقابل تدني وسوء في الخدمات التشغيلية لشركة النقل الجماعي التي تعمل ضمن مسارات محدودة في موسم العمرة من محطات تسمى تجاوزاً كذلك وحافلات متواضعة المستوى في تلك الدائرة المحيطة بالمسجد الحرام، الأمر الذي أفضى في ظل عدم وجود بديل لملء هذا الفراغ الذي يلبي الحاجة أن تهيمن على المشهد المركبات الصغيرة الخاصة غالباً التي تتسبب في تزايد الاختناقات المرورية عاماً بعد آخر على كافة محاور الحركة الرئيسية المؤدية للمنطقة المركزية، وتزيد من حالات الافتراش حول الحرم والمبيت داخلة، خلاف ما تبثه من معدلات تلوث عالية، عبر عوادم السيارات في منطقة مختنقـــة بالأبراج السكنية فمتى يواكب قطاع النقل في التطور خدمات العمرة الأساسية الأخرى من إيواء وإعاشة واتصالات ونحوها؟ للمزيد