جامعة أم القرى

جامعة أم القرى

العمرة وأهل مكة / نجيب عصام يماني


الملف الصحفي
أضيف بتاريخ - 2016/06/27  |  اخر تعديل - 2016/06/27


كادت حركة الطواف تتوقف حول الكعبة بسبب عجز الزوار والمعتمرين عن التقدم أو المشي بسبب الزحام الشديد ورأى الناس الموت رغم التوسعة الكبيرة والحلول الكثيرة لراحة ضيوف الرحمن، ولكن عجز البعض عن فهم المعنى الحقيقي للعمرة مصرا على تكرارها والتفاخر بأنه يعتمر يوميا مسببا الزحام مضيقا على المعتمرين من خارج المملكة مشوها كل الإنجازات الضخمة للدولة بعبادة مستحدثة. ما يحدث في الحرم يخرج عن المعتاد دون أن يفكر أحد أن رسول الله مكث في مكة عشرين يوما عام الفتح يقصر الصلاة ويجمعها ويقول لأهل مكة (أتموا فأنا على سفر). ومكة كلها حرم ومساجدها مهيأة لإقامة الجمع والجماعات وصلاة الليل. أهل مكة لا يحسب عليهم أن يأتوا بالعمرة سواء كانوا حجاجا أو غير حجاج، وفي رمضان أو غيره. وذلك بالعقل قبل النقل. فالعمرة في اللغة معناها أن يعمر مكانا خاليا من الناس إلا النزر اليسير فيها. فيكون مجيء الناس إلى هذه المنطقة هو من باب الإعمار وإكثار وجود الناس. وهذا ما دعا به إبراهيم ربه: {..فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم..}، لأن وجود هاجر وإسماعيل في ذلك المكان المقفر جعل إبراهيم يدعو ذلك الدعاء وأمره بالأذان في الناس بالحج. فأصبحت مكة عامرة بوجود الحجاج فيها. لكن أيام الحج محدودة ويعود الحجاج إلى بلادهم، فتعود الوحشة وقلة الناس. ومن هنا كانت العمرة، وحكمها مستحب للآفاقيين البعيدين عن مكة، لأن الناس موجودون للحج وعلى من أراد العمرة أن يجعلها في غير أشهر الحج لتكون مكة عامرة طيلة العام. ولذلك كان التمتع في الحج هو الأفضل من القران والإفراد، لأن المتمتع أدخل العمرة في الحج وبذلك يكون هناك فسحة للإتيان بها في غير أشهر الحج. وبذلك لا تنقطع مكة عن كثرة الناس فيها طيلة السنة. ولذلك كان سيدنا عمر لا يشجع الناس على أداء العمرة أثناء الحج ترغيبا لهم في أدائها في غير هذا الوقت لكي لا تنقطع مكة عن كثرة الناس فيها.فالإعمار معناه مجيء الناس إلى هذا البلد ليكون عامرا دائما. ولا ينطبق هذا المعنى في حق أهل مكة، لأنهم أصلا هم عمار البيت بكونهم ساكنين فيه مقيمين طوال العام. هذا من جهة العقل. أما من جهة النقل فالأصل أن الله لا يقبل عمل ابن آدم أيا كان إلا إذا توفر فيه شرطان: الأول أن يكون خالصا لوجه الله. والثاني أن يكون وفقا لما شرعه الله وبينه رسوله. والرسول لم ينه أحدا من أهل مكة عن أداء العمرة. ولكن ليس هذا هو الطريق الذي تؤخذ منه الأحكام الشرعية. فالأصل في العبادات الوقف. فلا ينبغي لأحد الإقدام على فعل فيه معنى التقرب إلى الله ما لم يكن له أصل في الشرع. والسؤال هنا هل كان أحد من الصحابة بمن فيهم ابن عباس ممن كانوا من أهل مكة وقاطنيها يأتي بالعمرة؟ والجواب هو النفي؛ لأنه لو فعلها أحد منهم لنقل لنا ولكنهم لم يفعلوها.فالأفعال التي تؤخذ منها الأحكام الشرعية هي ما كان فيها معنى التقرب إلى الله مثل الصلاة والصيام والحج وغيره. وقد حاججني البعض بأنه عليه السلام كان منشغلا عام الفتح في مكة بأعمال الفتح ولذلك لم يأت بالعمرة. وهذا استشهاد باطل لو صدقناه لأعطينا لأهل البدع والخرافات أن يخترعوا ما شاءوا من العبادات بحجة أن الرسول لم يفعلها لأنه كان منشغلا عنها بشيء آخر. وقد كان عليه الصلاة والسلام منشغلا في غزوة الأحزاب وأخر أربع صلوات عن أوقاتها. فأصبح هذا تشريعا لأمته من بعده ممن كان في ظرف مثل ظرفه. بل كان في المدينة ولم يكن منشغلا بشيء وجمع وقصر أربع صلوات ومن غير مرض ولا مطر ولا سفر. فأصبح هذا تشريعا لأمته فيمن وقع في حرج كما قال عليه السلام: «لكي لا تحرج أمتي..». للمزيد

جار التحميل