منذُ مدةٍ دارَ الحديثُ بحضرةِ صاحبِ السموِّ الملكيّ الأمير خالد الفيصل مستشارِ خادم الحرمين الشريفين أميرِ منطقة مكة المكرمة حول مايشهدُهُ الحرمُ المكيُّ الشريف من ازدحام يزداد بازدياد عدد المعتمرين في كلِّ عامٍ، وكان ممَّا قاله وعلق بذهني: سيأتي يومٌ يشقُّ فيه على أهلِ مكةَ أن يطوفوا بالبيت بسبب الازدحام والتدافع!
وعلى الرغمِ من أننا -أهلَ مكةَ-لانذرُ البيتَ ولا الطوافَ به مهما كان؛ فنحنُ جيرانُهُ وأهله إلاَّ أنّ هذه الكلمةَ فيها قدرٌ كبيرٌ من الواقعيةِ، فالذين عاشوا في مكة طويلاً يدركون الفرق الهائل بين زمنٍ مضى لم يكن بين أحدنا والحرم إلاَّ أن يخرج من باب بيته ويمشي خطواتٍ فإذا هو عند الكعبة، وبين واقعٍ يحتاجُ فيه المكيُّ لكثيرٍ من العناء حتى يجد لسيارته موقفاً، ثم حتى يجدَ سبيلاً لدخول الحرم!
تذكرتُ هذه المحاورةَ مع أمير مكةَ وقد دُعيتُ قبل أيامٍ للفطور داخل الحرمِ من قبل نخبةٍ من رفقاء الوالدِ -رحمه الله- حيث كانت له ولهم سفرةٌ معلومةُ الموقعِ في بيتِ الله الحرام، يفطرون فيها ثم يصلون العشاء والتراويح، وفعلاً وجدتُ صعوبةً في الدخول والوصول رغم أني جئتُ منذ الخامسة عصرًا! وحينَ وصلتُ وجلستُ وجدتُ في الحاضرين رجلاً معتمراً يبدو أنه من أهل العلم والفضل، فقال لي: يادكتور! ماذا يسمى هذا؟ وأشار بيده. فقلتُ: صحنُ المطاف، قال: فلماذا إذنْ يصلي الناسُ فيه وهو مطافٌ للطائفين؟ لماذا يزحمونَ من لا يسعه الطواف إلاَّ هنا، بينما هم تسعهم الصلاة في أي موضعٍ من بيت الله الحرام؟
ثم قال لي: تذكر يادكتور أن الله تعالى قدّم الطائفين على المصلين في موضعين من كتابه، فقال سبحانه في سورة البقرة: (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، وقال تعالى في سورة الحج: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
تأملتُ في كلامِ هذا المعتمرِ الفاضلِ، فوجدتُ بحق أن غير قليلٍ من مشكلات الزحامِ والتدافع التي أشار إليها سمو الأمير سببها إصرار البعض -هداهم الله- على الصلاة في المطافِ في أوقاتِ ازدحامه بالطائفين والمعتمرين، ولاسيما خلف المقام!
إن الآيتين القرآنيتين واضحتان في إعطاء الأولية في هذا المكان لمن أراد الطواف، فإذا أضفت إلى ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن الإضرار بالمؤمنين تبين لك أن مزاحمةَ الطائفين بالصلاةِ في الصحنِ وقت ازدحامه هو خلافٌ للأولى شرعاً، إضافة إلى ما فيه من إرباك لخطط التنظيم وإدارة الحشود.
نسأل الله أن يتقبل منَّا جميعاً صالح الأعمال. للمزيد