منذ كتابة مقال الأسبوع الماضي حول مؤسسات الطوافة وضرورة تطوير أدائها وردود الأفعال لم تهدأ، وحفل حسابي في "تويتر" بجملة من النقاشات الساخنة، إضافة إلى مجموعة من الاتصالات الشخصية، ومجموعة من المقالات في صحف مختلفة عقبت على مقالي. جاءت التعليقات في الأيام الأولى منفعلة وغاضبة ولا يكاد يخلو تعليق من مفردات(الحسد، اللقافة، الجهل، التطفل، المصلحة الشخصية) وغيرها من العبارات الغامضة، ولكن بعدها توالى الكثير من التعليقات المتزنة التي كشفت لي عن جوانب كثيرة في عمل مؤسسات الطوافة وهو أمر لم أتجاهله ولكن مساحة المقال السابق لم تكن تسمح به.
وهناك من كان يظن أني أتجاهل دور مؤسسات الطوافة في الماضي أو أطالب بإلغاء مهنة المطوفين وهو أمر لم يرد في مقالي وكل ما عنيته أن هذه المؤسسات العاملة في خدمة الحجيج قدمت الكثير وفق إمكاناتها السابقة ومساحة التشريعات المتاحة لها، ولكن في ظل «رؤية المملكة 2030» التي تركز بشكل مباشر على زيادة أعداد الحجاج والمعتمرين نحتاج إلى مزيد من الجهود لإيجاد كيانات اقتصادية عملاقة تقدم خدماتها بشكل متميز يمكنها من المنافسة وتحقيق الأرباح وإيجاد مزيد من الفرص الوظيفية.
ولا يعني هذا إلغاء هذه المؤسسات ولكن تطويرها من نواح تشريعية وإدارية والسماح بتحويلها إلى شركات مساهمة أو اندماجها مع بعضها بعضاً لتكون شركة عملاقة متخصصة في خدمات الحج والعمرة.
وقد أخبرني أحد أعضاء مجلس الإدارة في مؤسسة طوافة معروفة أثناء اتصاله، أن مؤسسته تخدم 150 ألف حاج سنوياً وقد حصلت على خطابات شكر من وزارة الحج ومن إمارة منطقة مكة المكرمة، ولكن حين سألته عن خطته وإمكاناته لخدمة الملايين القادمة والأعداد المضاعفة لم يجبني، مكتفياً بالقول إنهم ينتظرون اجتماع وزير الحج والعمرة الذي تعين قبل شهرين. المسألة ليست في اجتماع الوزير أو غيره ولكن في آليات كثيرة وفلسفة عمل وتشريعات مر على بعضها 50 سنة دون تغيير.
وما ينطبق على "مؤسسات الطوافة" ينطبق على المؤسسات الفردية المتناثرة التي تعمل في مجال خدمة الحجاج والمعتمرين ويزيد عددها على 200 مؤسسة وفق الإحصاءات المنشورة لوزارة الحج والعمرة، ومن الطبيعي أن مثل هذا الطرح لن يعجب أصحاب المصالح الخاصة، وسبق للدولة إن أصدرت كثيراً من القرارات لدمج مؤسسات فردية في شركات كبرى لتحقيق المصلحة العامة ومن ذلك دمج مؤسسات الكهرباء قبل أكثر من عقدين من الزمن، وكذلك دمج مؤسسات الصرافة، وكانت نتائج الدمج فارقة على جميع المستويات.
إن صناعة حركة اقتصادية عملاقة في مجال الحج والعمرة كانت من أحلام رواد التنمية في المملكة وها هي على مشارف التحقق في برنامج التحول الوطني باستهداف 15 مليون معتمر في 2020، و30 مليون معتمر في 2030، ولكن هذا الهدف مقرون بإعادة تهيئة كاملة لكافة المؤسسات التي تعمل في مجال الحج والعمرة لتتحول من النمط الفردي البسيط إلى النمط المؤسسي العملاق ليحاكي نماذج الاندماج والاستحواذ العالمية التي جعلت البقاء للأقوى فقط.
وهذا يجعلنا نطلب من مجلس الاقتصاد والتنمية مراجعة كل التشريعات القائمة التي تخص مؤسسات الحج والعمرة، بما يضمن لنا تحقيق أهداف الرؤية المعلنة. للمزيد