من المسلَّم أن تخطيط وتطويرالمدن هو أن يكون التخطيط ذا أجزاء مرتبطة بعضها ببعض، وأن يؤدي المخطط العام إلى إنشاء خدمات متكاملة من طرق ووسائل مواصلات ودراسة سكانية وبنية تحتية ودراسة لحركة السيارات والمشاة ومناطق الكثافة السكانية والتجارية والمساجد والمواقف المحيطة بها وأماكن الترفيه من حدائق واستراحات وطرق خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة وطرق مشاة وملاعب داخل الأحياء ومراكز طبية وأخرى أمنية وتعليمية، وأن لا يكون التنفيذ مجرد اجتهادات لا يرتبط بعضها ببعض ولا يكون تخطيط المدينة على مراحل بل لابد أن يكون مخططاً هيكلياً عاماً واضح المعالم ولا يكون من أجل إنهاء عقدة هنا أو عقدة هناك مما يؤدي إلى هدم الحلول التي وضعت في السابق لأن الحلول الارتجالية فيها ضياع للوقت وهدر للمال العام، فالحلول لابد أن تكون مدروسة وفق مخطط هيكلي عام يتم التقيد بكل تفاصيله وأهدافه دون انحراف قيد أنملة.
ولو أخذنا مكة المكرمة كمثال فهي ليست مدينة عادية؛ إنها مدينة مقدسة تهفو إليها القلوب من كل مكان، هذه المدينة لاقت الكثير من الاجتهادات من كل الجهات الحكومية لأن كل جهة كانت تريد تنفيذ مخطط لمشاريعها دون تنسيق مع الجهات الأخرى؛ فجهة تفتح طريقاً وأخرى تقفل طريقاً والثانية تقيم مشاريع والرابعة تهدم هذه المشاريع لأنها تعارضت مع مسار مشاريعها.
وكل هذا التخطيط الجزئي يكون مبنياً على ردة فعل أو على فكرة خاطفة طرأت على البال قد يتبين في مرحلة لاحقة أن ما عُمل من مشاريع يتعارض مع مشاريع أخرى قد تكون مثلها أو أهم منها وهنا إما أن تهدم المشاريع الأولى لصالح الثانية أو العكس فيما أن المطلوب هو وجود مخطط مدروس دراسة شاملة للمدينة ولا يكون هناك أي اجتهاد من أي جهة خصوصاً وأن هناك مرسوماً ملكياً بإنشاء الهيئة العليا لتخطيط مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، هذه الهيئة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، وسموه الكريم صاحب خبرة وحكمة ودراية ويدرك أهمية التخطيط الدقيق المدروس الذي طالما طالب سموه به في تصريحاته وأحاديثه الصحفية، وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال عمل مدروس تقوم به جهة واحدة وتشارك معها بالمعلومات جهات أخرى.
لذا فإنني أرى أن تقوم هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بهذا الدور وألا تسمح باجتهاد أي جهة قد يؤدي اجتهادها إلى تعقيد أمور المخطط العام، وأن تستعين الهيئة العليا بمختصين على مستوى عالٍ لدراسة أمور الحركة والإسكان والنقل والخدمات وارتباط أم القرى بالمدن المجاورة والمرافق التي تحتاجها المدينة، وأن يكون ذلك كله في إطار مخطط هيكلي عام مدروس ينفذ على مراحل حتى نصل في نهاية الأمر إلى مدينة حديثة وفق المخطط المعتمد لها وهذا الأمر لا يتحقق إلا إذا قامت الهيئة العليا بما هو مطلوب منها دون تدخل من أي جهة.
ولذلك فان أبناء العاصمة المقدسة يأملون من سمو الأمير الذي عُرف بحرصه على النجاح وأنه لا يعطي رأياً ولا يوجه إلا بعد اطلاعه على دراسة وافية تجسد الحاضر وتصورالمستقبل؛ فأبناء العاصمة المقدسة متضجرون من وجود المناطق العشوائية ويعرفونها ويعرفون مواقعها حق المعرفة، لذلك فإنهم يأملون من سموه الكريم أن يوجه بإعادة هيكلة الهيئة العليا ودعمها بالكفاءات الوطنية المختصة في مجالات التخطيط والتنظيم العمراني والسكنى والإحصائي والحضاري حاملي الشهادات العليا الذين وصلوا في مجالهم إلى مستوى الخبراء ليقدموا دراسة ينتج عنها وضع مخطط هيكلي تنظيمي عام لمكة المكرمة يقضي على كل المشاكل بما فيها المناطق العشوائية، وعندها ستحقق تطلعات مليكنا المفدى بهمة سموكم الكريم والله الموفق . للمزيد