الملخص

إنّ المتأمّل في كتب المجاميع الشّعريّة والمختارات الحديثة التي تنخَّل أصحابها شعر العرب القديم، يألَفُ فيها حضورا لافتا، لنصوص الهامش الذي صار متنًا، ويجدها ضاجّة بشعر مسكون بالمكان والموضِع مَهُوس بالفضاء، معبِّر عن الألفة والوحشة في ذات الآن.  ولهذا تطلّب مشروع هذا البحث منّا تقصّيا للأفضية ومضارب نشأة الشّعر في الجزيرة العربيّة، ونظرا في نصوص همِّشت من الدّرس الأدبيّ واطّرحتها الذّائقة الانتقائيّة في مَهْمَه المنسيّ، وتلك غاية تنسِجم مع عودة الفضاء مشغلا لا يمسّ الشّعر وحده، بلْ يُنيخ بكلكله على واقع الإنسانيّة التي رأتْ في المكان عمقها ومصدر هويّتها والضّامن لمستقبلها. ووفق هذا الخيط النّاظم بانَ لنا أنّ الشّعر العربيّ أضحَى أبعدَ غورا وأشدّ خصوصيّة من الذّائقة الشّعريّة الرّسميّة، ومن الذّاكرة الجماعيّة الصّارمة ذات الجماليّة المنمَّطة المتكلِّسة. ولمّا تأملّنا أمكنة الألفة وأمكنة الوحشة، بان لنا أنّها أمكنة قامعة عنيفة معرقلة كابوسيّة، حدَّت من رحلة الشّاعر في المكان، وجعلته تائهًا فيه بلاَ دليل. وعلمنا أنّ المكان قد لعب دورا حاسما في حياة الشّاعر العربيّ القديم، وكان عاملا أساسيّا في ترسيخ وجوده الإنسانيّ، وانبرى سُؤالا حارقا يخترق كيان العربيّ بأبعاده الجغرافيّة والثّقافيّة ولا يزال، وهو في الشّعريّة العربيّة مولِّدها وراسم استعارتها وناظِم أخيلتها ورحِمُ المعنى فيها، مادام الشّعر هو تُرجمان حال الإنسان العربيّ على مرّ الأزمان، وحامِلُ قيم العروبة وأمجاد العرب كما يرى غير واحد من الدّارسين والنقّاد.

الكلمات المفتاحية

مكان، فضاء، حيّز، بيداء، صحراء، دمن، ديار، ألفة، وحشة.     

كيفية الاستشهاد