استضافت جامعة أم القرى صاحبَ السمو الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد آل سعود رئيس لجنة الدعوة في إفريقيا، وأعضاء لجنة الدعاة من قارة إفريقيا في اللقاء الخامس والعشرين لهذا العام بعنوان (الانحراف الفكري .. أسبابه وعلاجه) يوم الاثنين 22/ 09/ 1437هـ، بحضور معالي مدير الجامعة الدكتور بكري بن معتوق عساس، ووكيل الجامعة للشؤون التعليمية الدكتور عبدالعزيز سروجي، وعميد معهد اللغة العربية لغير الناطقين بها الدكتور عادل باناعمة، وعميد كلية اللغة العربية الدكتور عبدالله القرني، والدعاة والعلماء الأفارقة من 41 دولة، بقاعة الملك فيصل بالمدينة الجامعية بالعابدية.
بدأ حفل الاستقبال بآيات من الذكر الحكيم، ثم ألقى معالي مدير الجامعة الدكتور بكري بن معتوق عساس كلمة رحَّب في بدايتها بصاحب السموِّ الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد آل سعود رئيس لجنة الدعوة في إفريقيا، وضيوف اللجنة وبالحضور أصحابَ السعادةِ والفضيلةِ أعضاء هيئةِ التَّدريسِ بالجامعة.
وقال معاليه: "إن ما يشدُّنِي باستمرارٍ في هذا اللقاء أنَّهُ يمثِّلُ ثلاثةَ مستوياتٍ من العطاء: مستوى العطاءِ الإداريِّ؛ متمثلاً في المنظومةِ التنسيقيَّةِ التي تُديرها (لجنةُ الدعوةِ في إفريقيا)، برئاسةِ سموِّ الأمير بندر، وهي منظومةٌ تتميّزُ بالوَصْلِ الكريمِ بين الحكوميِّ والخاصِّ، بين الرسميِّ والدعويِّ، بينَ الشرق والغربِ، بين الدعوةِ والقيادةِ، بين العلمِ والحركةِ الميدانيةِ، وهي بذلك تقدِّمُ نموذجاً كنتُ وما زلتُ أَرَاهُ متفرِّداً في سياقاتِ العملِ الدعويِّ المعاصرِ. أما المستوى الثاني من مستوياتِ العطاءِ في هذا اللقاءِ؛ مستوى العطاءِ الدعويِّ المتمثِّلِ في هذهِ الكوكبةِ الكريمةِ من دعاةِ القارةِ الإفريقيةِ الذين يحملونَ رايةَ المنهجِ السليمِ، والعقيدةِ الصحيحةِ، في ظلِّ أمواجٍ متصارعةٍ متلاطمةٍ من المذاهبِ والأفكارِ والتياراتِ.
مضيفاً بأن المستوى الثالث هو مستوى العطاء الأكاديميّ المتمثِّل في التعاون المبارك المثمرِ الذي انعقدتْ أواصرُهُ بين الجامعةِ ولجنةِ الدعوةِ في إفريقيا، ففي كل عامٍ هناك وفدٌ كريمٌ من معهدِ تعليمِ اللغةِ العربيةِ يُشارك اللجَنةَ في دوراتِها الصيفيةِ، إضافةً إلى وجوهٍ من التعاونِ العلميِّ بين أساتذةِ الجامعةِ عموماً وبرامجِ اللجنةِ.
مشيراً إلى أنه لم تعد مهمةُ الداعيةِ اليومَ مهمةً سهلةً! فالداعيةُ الذي كان بالأمسِ يتلو آيةً من كتابِ اللهِ، ويقرأ حديثاً نبوياً، فيجدُ الآذان صاغيةً والعيونَ باكيةً والقلوبَ خاشعةً، أصبحَ اليومَ إذا تحدَّثَ يحاصَرُ بمئاتِ الأسئلةِ والإشكالاتِ والاعتراضاتِ، نظراً للتدفقَ المعلوماتيَّ الهائلَ الذي صدَمَ عقولَ الكثيرينَ بما هي غيرُ قادرةٍ على استيعابِهِ فتخبَّطَتْ وهي تظنُّ أنَّها تُحسنُ صنعاً أو تُتقنُ علماً!
واصفاً أنَّ هذا الدفقَ المعلوماتيَّ لم يكنْ كلُّهُ عفْوياً، بل استغلَّتْهُ تياراتٌ منحرفةٌ، ومجموعاتٌ ضالةٌ، فبثتْ من خلالِهِ كثيراً من الشبهاتِ، وأباطيلِها، وأكاذيبِها، وتلبيساتِها، مما أوقعَ شرائحَ من أبناءِ المسلمينَ في فِخاخِ الإلحادِ أو البدعةِ أو الانحلالِ أو الغلوِّ والتطرفِ، ونشأتْ من ذلك (انحرافاتٌ فكريةٌ) خطيرةٌ باتتْ مقاومتُها اليومَ من أوجبِ واجباتِ الدعاةِ إلى اللهِ عزوجل.
وأكد معاليه أن هذه المقاومةُ الدعويةُ للانحرافاتِ الفكريةِ توجبُ على الداعيةِ ثلاثةَ أنواعٍ ضروريةٍ من التكوينِ والبناءِ: النوعُ الأولُ نوعٌ علميٌّ عقليٌّ، والنوعُ الثاني نوعٌ مهاريٌّ، والنوعُ الثالثُ نوعٌ تقنيٌّ.
ويستطرد بقوله: (إنَّ بلادَكم المملكةَ العربيةَ السعوديةَ قد حملتْ رايةَ العقيدةِ الصحيحةِ، والدعوةِ إلى الله على منهجِ السلفِ الصالحِ، وبذلتْ في سبيل ذلك ماوسعَها، وكلُّها أملٌ أن تجد منكم ومن سائر دعاةِ الحقِّ على وجه الأرضِ تعاوناً في إحقاقِ الحقّ وإبطالِ الباطلِ، ولو كره المجرمونَ. فلا تأذنوا للانحرافات الفكرية والبدعِ والضلالاتِ أن تُطلَّ برأسِها، ولا تفسحوا المجالِ لدعواتٍ باطلةٍ تتعلَّقُ بآل بيتِ النبوةِ وهو منهم براءٌ، بل تمسكوا بالحقّ الذي عرفتم، واثبتوا عليه).
واختتم كلمته معرباً عن ثقته في خادم الحرمين الشريفين قائلاً: (جزاهُ الله خيراً لايدخرُ وسعاً في خدمةِ الدعوةِ إلى الله حيثما كانتْ، وله -أيده الله- في ذلك من الجهودُ ما يذكرُ فيُشكرُ. وعلى طريقِهِ سموُ وليِّ العهدِ وسموُّ وليِّ وليِّ العهدِ – حفظهم الله - فجزاهم الله خيراً على عطائهم وبذلهم الذي كان والذي سيكونُ بإذن الله). كما شكرَ الله كذلك لسموِّ مستشارِ خادمِ الحرمين الشريفين أميرِ منطقةِ مكةَ المكرمةِ على حفاوتِهِ الدائمة بهذا اللقاءِ.
بعد ذلك ألقى كلمة ضيوف لجنة الدعوة في إفريقيا الشيخ كوني عيسى من جمهورية ساحل العاج خريج كلية الشريعة قسم الاقتصاد الإسلامي بجامعة أم القرى، رحَّب في صدرها بالحضور، ثم قدم باسمه وباسم أعضاء ضيوف اللجنة جزيل الشكر والامتنان لحكومة المملكة العربية السعودية، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين ملك الحزم والعزم سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده وسمو ولي ولي عهده -حفظهم الله- ولمضيفهم صاحبَ السموِّ الأميرَ الدكتور بندر بن سلمان بن محمد آل سعود رئيس لجنة الدعوة في إفريقيا على ما يقدمونه من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين.
بعد ذلك ألقى فضيلة الدكتور فهد بن محمد السرحاني القرشي رئيس قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة محاضرة بعنوان "الانحراف الفكري أسبابه وعلاجه"، بدأها بتساؤل البعض لماذا نهتم بدراسة الأفكار عند الأفراد طالما أن الهدف النهائي هو السلوك والفعل؟
مجيباً على التساؤل أن تغيير الأفكار والآراء والاتجاهات يزداد معه احتمال تغيير السلوك، حيث تعتبر الأفكار بداية للسلوك؛ فالشخص الذي لديه اتجاهات إيجابية وصحيحة وتم تربيته على الصحيح فإننا نعتقد أن هذا الشخص سوف يسلك التريث الصحيح إذا توافرت لديه الظروف المناسبة لهذه المواقف، وبالمقابل فالشخص الذي يحمل أفكاراً سلبية عن الآخرين، وتم التغرير به ليسلك اتجاهات عدائية نحوهم، فإنه قد يسلك سلوكاً مؤذياً نحوهم. فالفكر إذا انحرف توقع من صاحبه فعل أي شيء.
وناقش فضيلته عن كيف يكون الغلو والتطرف سبباً في انحراف الفكر عن الحق والصواب، وواكب ذلك مجموعة من الأمثلة، واقترح أن يكون عنوان اللقاء عنواناً لمؤتمر عالمي تنظمه الجامعة لدراسته من كافة الجوانب.
بعدها ألقى صاحب السمو الأمير بندر بن سلمان بن محمد آل سعود رئيس لجنة الدعوة في إفريقيا كلمة قال فيها: "نجتمع في هذه الأيام المباركة، في هذه البقعة المباركة مهبط الوحي ومنبع الرسالة لنتدارس في أمور الإسلام والمسلمين، وما يتعرض له الإسلام من هجمات كبيرة كان سببها الرئيسي هو انحراف أبنائنا عن الجادة القويمة والسليمة، لقد ابتلينا بهذه البلوى التي أسال الله -عزوجل- في هذه الأيام أن يرفعها عن الإسلام والمسلمين، وأن يكفينا شر أعدائه إنه سميع مجيب.
مضيفاً بأننا نشرف بهذه الجامعة المباركة الذي لا تألوا جهداً وعلى رأسها معالي مدير الجامعة الدكتور بكري بن معتوق عساس في تقديم جميع الدعم لهذه اللجنة في أعمالها ومناشطها ومنها استقبال اليوم، حيث يجتمع هؤلاء العلماء والدعاة من 41 دولة أتوا ليتدارسوا في هذا الموضوع، وكل واحد منهم قدم بحثاً في هذا الموضوع قبل أن يأتي، ووضعت له جوائز، وكذلك يتدارسون فيما بينهم في أفضل الحلول الناجعة لكي يرجعوا إلى بلدانهم ويتلافوا هذه المصيبة التي حلت بالمسلمين.
مشيراً إلى أننا ننعم في هذه البلاد بحكومة دأبت على خدمة الإسلام والمسلمين وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وولي ولي عهده – حفظهم الله – وهذه الحكومة المباركة التي تسعى دائماً لنشر العقيدة والدعوة الوسطية ومنهج الكتاب والسنة، بعيدة عن التحزب والأحزاب، وبعيدة عن الغلو والتطرف، وهذا من فضل الله علينا وعليكم جميعاً بأنها قبلة المسلمين كما هي اليوم، ولله الحمد دائماً.
واختتم سموه كلمته معرباً عن امتنانه بهذه الجامعة المباركة، وبهذا الاستقبال الطيب، سائلاً المولى تبارك وتعالى التوفيق والسداد.